الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية مقال رأي: نُريد حُلْمًا !

نشر في  10 جوان 2016  (18:26)

بقلم الخبير الاقتصادي الياس الجويني

منذ عدة أيام بل عدة أسابيع ما فتئنا نتحدث عن تغيير للحكومة ونستمع إلى العديد من الأصوات التي تدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

غير أن ما تحتاجه البلاد هو قبل كل شيء وجود مشروع ورؤية للمستقبل. وقد ظل حتى الآن البحث المستمر عن التوافق قبل الفعل هو الحافز بل المحرك والدافع نحو التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي نشهده.
فالبحث عن التوافق قبل الفعل هو في نفس الوقت بمثابة العودة إلى منظومة الحزب الواحد، وتنكّر للديمقراطية، وضمان للعجز عن اتخاذ أي فعل وكذلك انعدام الكفاءة بشأن بناء رؤية محددة للمستقبل.

قد يكون هذا من قبيل التفكير المكرّر والمبتذل، ولكنه يبقى شرطا أساسيا لأنه في غياب المشروع يمكننا مواصلة جلد الذات إلى ما لا نهاية بحثا في التفاصيل. إن ما هو مطلوب هو حكومة قوية بتصميمها، أي على العكس تماما من برنامج وحدة وطنية، حكومة قادرة على إبراز بعض الأولويات والتوجّه بعدد صغير منها نحو المواطنين.

فتعبئة المواطنين حول مشروع محدد من شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدام الساسة المترددين ويحمّلهم أمام المواطنين مسؤولية الجمود والشلل. ومع اقتراب موعد الانتخابات القادمة، أيّ حزب بإمكانه المخاطرة بمعارضة برنامجٍ لمكافحة الفساد دون هوادة ؟

أي حزب سيخاطر بمعارضة تعبئةٍ مكثّفة من قبل جامعاتنا لاحتضان - كل حسب قطاعها- العاطلين عن العمل من خريجيها ومساعدتهم على القيام بالخطوة الأولى في سوق الشغل؟

أي حزب سيجرؤ على معارضة سياسةٍ مالية تثمِر العدالة الاجتماعية وتُخضِع للضريبة وبالقدر الكافي الدخلَ المرتفع جدا والأملاكَ الكبيرة جدا بما يسهم في توفير موارد جديدة للدولة، وتمويل التغطية الصحية الشاملة على سبيل المثال ؟ 

أي حزب سيجرؤ على معارضة اتخاذ خطوة جريئة في مجال تبسيط إجراءات الاستثمار من أجل تحريره وتحرير المواطن من ثقل الإجراءات الإدارية التي تستهلك طاقة ووقت الجميع؟

بالطبع، مثل هذه الإصلاحات ستكون صادمة بشدة لمصالح عدد كبير من الأشخاص وسوف لن تكون المسيرة سهلة ولكن هذا هو ما يترقبه التونسيون. ولأنه بالفعل عمل صعب فهو لن يتحقق على موائد التوافق. 

إن التوافق الذي يسبق الفعل هو بالضرورة توافق رخو وضعيف ولم يعد بإمكاننا تحمّله. علينا بحكومة حاملة لخارطةِ طريقٍ جريئةٍ ورؤية مستقبلية يتطلع إليها المواطن العادي. وسوف تتحقق الوحدة الوطنية من تلقاء نفسها عندما يوضع مثل هذا المشروع الواعد فوق الطاولة. ولا شك أن السياسيين الملوّثين ورجال الأعمال الفاسدين سيسعون وراء الكواليس إلى الاعتراض ولكن الشعب سيقف بالمرصاد داعما لهذا المشروع، وستسانده أغلبية برلمانية لأنه لن يكون هناك خيار آخر لها.

قد تقولون هذا خطاب شعبوي؟ لا، بل هو مجرد تقديرٌ لشعب قاد وآمن بالثورة، وهو الآن يشعر بأنه مخدوع.

لذلك آمل أن لا تمر أسابيع قبل تشكيل الحكومة المقبلة وأن لا يضيع الوقت في محاولة تحقيق التوازن بين رغبات مختلف الأطراف المعنية. وكذلك آمل أن لا تنتظر الحكومة المقبلة مرور 100 يوم قبل إعلانها بداية التفكير في خطة عمل، بينما كان ينبغي وجود خطة عمل منذ البداية وأنه كان من المفروض الشروع بالفعل في تنفيذ عناصرها الرئيسية في غضون الـ 100 يوم الأولى.

ولذلك آمل أن تكون الحكومة المقبلة مكوّنة من ذوي النزاهة والقدرة على تعبئة المواطنين للالتفاف حول مشروع الحكومة بدلا من ترقّب احتمال توافق وحصول توجهات مساندة قد لا تأتي . ولذلك آمل من رئيس الحكومة القادم أن يكون قادرا منذ البداية على إعلان حلمه لتونس ورؤيته لمستقبلها.

وأخيرا، لو نعد إلى المفهوم الأصلي لكلمة "رؤية" فسنجد على الأقل تعريفين اثنين: أولا الاستهداف والاستشراف، وثانيا فكرة مجنونة وخارقة. ونحن بحاجة إلى مزيج من هذين التعريفين أي إلى مستقبل نتخيله بصورة مشتركة وحُلم مجنون بما يكفي لحشد الطاقات وسحق الصعوبات. لأن "الحكمة تتمثل في أن تكون لدينا أحلام كبيرة بما يكفي كي لا تغيب عن نظرنا عندما نلاحقها لتحقيقها".